إن من طقوس الصباح الأساسية في حياة الكثيرين تناول فنجان من القهوة…. فما يحتوي عليه فنجان القهوة من مادة الكافيين كفيل بتنبيه المخ ويقظته وزيادة التركيز…والكافيين ليس موجودا في القهوة فقط.. بل في الشاي والشوكولاتة ومشروبات الكولا و مشروبات الطاقة.. ومن الشائع أيضا وجوده في حبوب التخسيس لتحفيز الأيض وكذا في بعض المسكنات التي تباع دون روشتة طبيب وقد قدر الاستهلاك العالمي من الكافيين سنويا ب120 ألف طن. وتعد الدول الاسكندنافية مثل فنلندا أكثر الدول استهلاكا للكافيين خاصة في صورة القهوة… يليها في ذلك البرازيل
هناك فوائد صحية للكافيين مثل مقاومة مرض الشلل الرعاش و ألزهايمر وحتى السرطان. ولكن ما زاد عن الحد انقلب للضد…فتناول ما يزيد عن 600 ميللي جرام من الكافيين يوميا يعد جرعة زائدة لها آثار سلبية على الصحة… فلو كنت تتناول 4 فناجيل من القهوة يوميا, فقد دخلت دائرة الخطر… ولتدرك عواقب ذلك…ينبغي أولا أن تعرف ما هو الكافيين وما هو تأثيره على الجسم
ما هو الكافيين
إن الكافيين هو مادة كيميائية طبيعية تسمى ” ثلاثي الميثيل زانثين”.. وهو من المواد التي تتشارك الكثير من السمات مع مواد أخرى سيئة السمعة مثل الهيروين والكوكايين
وفي صورته النقية, يكون الكافيين عبارة عن مسحوق أبيض شفاف له مذاق مر جدا. ويستخدم في المجال الطبي لتحفيز القلب ومدّر للبول أو لسرعة تحفيز بعض الأدوية مثل الاسبرين. وطالما كان الكافيين جزءا من ثقافات العالم المختلفة سواء الأفريقية أو الأوربية أو الأسيوية. .. حتى بات مصدرا ” لتحفيز الطاقة” أو الشعور باليقظة. فالكثير من الطلبة يقبلوا على شرب المشروبات الغنية بالكافيين للسهر ليلا أثناء المذاكرة قبل الامتحانات. وكذلك, السائقون الذين يعملون على عرباتهم ليلا
ولكن كما قلنا, الكافيين يتشارك في خواصه والآلية التي يؤثر بها على الجسم مع عقاقير الإدمان… ولذلك الكثير من الناس يشعروا أنهم لن يستطيعوا تأدية أعمالهم على الوجه المطلوب دون فنجان القهوة أو الشاي في الصباح. بالطبع تأثير الكافيين لن يصل إلى تأثير المخدرات ولكن لمن يتناول الكافيين بكثرة, سيكون من الصعب عليه التخلي عنه
هناك ما يزيد عن 19000 دراسة أجريت عن الكافيين وعن القهوة خلال ال30 عاما الماضية, أغلبها يهدف إلى اكتشاف تأثير المادة بالضبط على جسم الإنسان. ومن بين أهم هذه الدراسات الدراسة الطولية الضخمة التي أجريت بجامعة هارفورد الأمريكية, فقد تضمنت 126 ألف مشاركا واستمرت لمدة 18 عاما. ويبدو أن نتائج هذه الدراسة كانت مفاجأة. فقد أشارت إلى أن من يشربوا ما بين فنجان إلى ثلاثة من القهوة يوميا أقل عرضة للإصابة بمرض السكري بنسبة قد تصل إلى 9% عمن لا يفعلون أما من يشربون 6 فناجيل أو أكثر فأنخفضت نسبة إصابتهم بالمرض بصورة أكبر… بالنسبة للرجال 54% والنساء بنسبة 30%… وهي نتيجة غير متوقعة
ولكن الكثير جدا من الناس يتناولون كميات كبيرة من الكافيين؟ ما الذي يدفعهم لذلك؟ ولماذا يجعلنا الكافيين أكثر يقظة وانتباها؟ باختصار, الأمر كله يتعلق بكلمتين: كمياء المخ
فالكافيين من المواد التي لها تأثير على كمياء المخ. لأشرح الأمر ببساطة تأثير الكافيين على كيمياء المخ ينقسم إلى شقين : مادة الأدينوزين وهرمون الدوبامين. ومادة الأدينوزين هي مادة يفرزها المخ تلعب دورا هاما جدا في تحفيز النوم.. وهو المسئول عن ظهور الأحساس بالتعب والرغبة في النوم. عندما يتناول الإنسان الكافيين, فإنها تحول دون تأثير الأدينوزين على مستقبلات الأدينوزين…. وبدءا من إبطاء نشاط الخلية كما يفعل الأدينوزين, يعمل الكافيين بالعكس على تنشيطها أكثر… ومن ناحية أخرى, تفهم الغدة النخامية بالخطأ هذا النشاط الغير طبيعي على أنه حالة طارئة فتصدر أمرها للغدة الكظرية لإفراز هرمون الأدرينالين الذي له الكثير من التاثيرات المنبهة على الجسم أهمها تسارع نبض القلب وبالتالي ضخ المزيد من الدم إلى العضلات والخلايا.. واتساع حدقة العين مما يعنى ازياد حدة الإبصار وزيادة انتاج الكبد للجلوكوز و زيادة حرق الدهون لإمداد الجسم بالمزيد من الطاقة وتحفيز إنتاج ماد الأندروفين وهي من المسكنات الطبيعية للألم. وهذا يفسر الشعور بالنشاط واليقظة والقوة العضلية التي تشعر بها عند تناول الكافيين
وفيما يتعلق بهرمون الدوبامين,فهمو موصل عصبي مسئول عن تنشيط مراكز السعادة بأجزاء معينة بالمخ ويعرف باسم “هرمون السعادة”. والمخدرات مثل الهيروين والكوكاين تؤثر على مستويات الدومابين بالمخ من خلال إبطاء معدل امتصاص مستقبلات الدوبامين له. والكافيين أيضا يعمل على زيادة هرمون الدوبامين… نعم تأثيره أضعف كثيرا من الهيروين وما شابه ولكنه يتبع نفس الآلية… ويرى الباحثون ان هذا الذي يجعلنا ندمن الكافيين
ولكن الكافيين قد يدخلك في حلقة مفرغة من المشكلات على المدى الطويل. فعندما يتلاشى مفعول الأدرينالين وتنخفض مستويات الدوبامين, تجد نفسك تشعر بالإجهاد و الاكتئاب وكوبا آخر من القهوة أو مشروبا من مشروبات الطاقة قادرا على أن يجعل الإدرينالين يتدفق مرة أخرى في دمك… ولكن ألا تظن ان جعل جسمك طوال الوقت في حالة طوارئ أمرا غير صحيا على الإطلاق
وستظهر أهم التأثيرات السلبية طويلة المدى للكافيين في اضطراب النوم. فمتوسط عمر الكافيين في الجسم ست ساعات. وهذا يعني ان شربك كوبا كبيرا من القهوة يحتوي على 200 ميلليجرام من الكافيين في الساعة الثالثة عصرا سيترك حوالي 100 ميلليجرام من الكافيين في جهازك العصبي حتى الساعة ال9 مساءا. وسيتأثر بذلك الأدينوزين… نعم قد تستطيع النوم, ولكن ليس النوم العميق الذي يحتاجه الجسم لاستعادة نشاطه وتجديد خلايا وتخزين المخ للمعلومات التي عايشها على مدار اليوم
وهذه التأثيرات القوية للكافيين على جسم الإنسان هي التي جعلت الأطباء دائما ينصحون بالاعتدال في تناوله رغم الكثير من الاكتشافات التي أثبتت فوائده الصحية كقدرته على علاج الربو , علاج الصداع , الوقاية من تسوس الأسنان وتحسين الحالة المزاجية بل و الوقاية من مرض ألزهايمر والسرطان…وكما يقال دائما خير الأمور الوسط
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق